ما جاء عن الحويزة في كتاب الرحلة المكية للسيد علي بن عبد الله المشعشي
الحويزة في التاريخ
في سنة 820 هـ استولت دوندي بنت السلطان حسين الجلايري على الحُوَيزة والبصرة وواسط، وضُربت السكّة باسمها، ودُعي لها على المنابر في كُلّ الصلوات إلى أن ماتت سنة 822هـ، وأقيم مكانها ولدها أُوَيس، وهي من أصل مغولي (1).
وكانت الحويزة كباقي مدن الإقليم خاضعةً لحكم المغول، وكان الحاكم فيها حين ظهور المُشَعشِعين الشيخ جلال الدين بن الشيخ أبي الخير بن محمّد الجزري، كان يحكمها بالنيابة عن أبيه الحاكم العام في الإقليم المنصوب من قبل عبدالله سلطان بن إبراهيم بن أمير شاهرُخ بن تيمورلنك، فنازله المُشعشع وجَرَت بينهم معارك كانت نتيجتها استيلاء المشعشع على الحويزة وخروجها من سلطة المغول سنة 845 هجرية.
قال السيد علي بن السيد عبدالله الحويزي المشعشعي في كتابه « الرحلة المكّية » (2): أمّا الحويزة فلم تكن قبل المشعشعيين لحاكم منفرد، وكانت آجام قَصَب تسكنها مَعدَنة نيس وآل غزّي. وأقرب ما يكون إليها من ناحية الشرق « القيصرية » من أعمال الأهواز. وهي وإن خربت بخراب ( شلوا ) بكسر السدّ، لكن أخرجوا لها نهراً من شاطئ الكرخة، واعتمرت عليه واستمرت عامرة. وإلى الآن توجد فيها آثار قصور حتّى إن في الفترة بعد وفاة المرحوم السيد حيدر (3) ( سنة 1092هـ )، حَفَرَ علي بن نعمة نهرها الموجود الآن فأخرج منه أسباباً وسُفُناً راكسة.
سبب اختيار المشعشع الحويزة مقراً لإمارته
قال في الرحلة المكيّة: لمّا وصلت أخبار السيّد محمّد المشعشع إلى الشيخ ابن فهد، كتب الشيخ إلى الأمير منصور بن قبان بن إدريس العبادي كتاباً في استحلال دم السيّد المذكور ووجوب قتله وهو في الجواذر، فأحضره الأمير ( لكنّه تخلّص منه بالحيلة )، ثمّ انتقل إلى الحويزة بعد عدّة حوادث جرت بينه وبين أهل الجزائر. وقال السيّد ضامن بن شَدقَم المدني في كتابه « تحفة الأزهار »: « كانت الحويزة ( حين ظهور المشعشع ) بيوتها من القصب من غير طينٍ ولا حجر، وسُكّانها رعيّة للعبادي له عليه مُقَرَّر يأخذه منهم كل عام، فجاء عامله لاستيفاء مُقَرَّره فمنعه المشعشع، فوقع بينهم حرب فانكسر العبادي وانهزم مولّياً. ثم إن الأمير ناصر بن فرج العبادي عاود الكرّة على الحويز في أواخر سنة 861 هـ، عندما قُتِل المولى علي بن المشعشع. وفي هذه الكرّة أيضاً انتصر عليه المشعشع وأباد جيشه وشتّت شمله ».
ولهذه الانتصارات التي حقّقها المشعشع على أعدائه في الحويز أسباب، منها: جغرافيتها الخاصة التي جعلت للمشعشع حصناً منيعاً يحفظه من مداهمة العدوّ من الناحية الغربيّة، حيث يقع هُور الحويزة الممتد من القُرنة إلى العمارة والحويزة في بقعة تبلغ 58 كيلومتراً طولاً في 45، إلى 20 كيلومتراً عرضاً.
ويقول بعض الرحّالة الرومان في رحلته: بيوت الحويزة كُلّها من القصب إلا قلعتها فإنّها مُحكمَة حصينة تقع على جُرف هُور، وكان أهلها يفتحون الماء على أطرافها في الحروب فيعجز المهاجمون من الوصول إليها.
سعة الحويزة ومساحتها
كانت الحويزة يوم كانت عاصمة لإمارة المشعشعيين بلداً واسعاً مترامي الأطراف، قَدَّروا مساحتها آنذاك ( 15 ف 15 ) فرسخاً (4). وقدّرت بعض المصادر التاريخيّة طولها بـ ( 33 ) كيلومتراً وعرضها ( 18 ) كيلومتراً. كما أن طولها الجغرافيائي يقدَّر حسب الاصطلاح القديم بـ ( 48 درجة ) وأربع دقائق، وعرضها ثلاث درجات و ( 37 دقيقة ). وتنحرف قِبلتها عن نقطة الجنوب إلى الغرب 38 درجة و 13 دقيقة وثانية واحدة.
وكان نهر الكرخة يجري وسط الحويزة يسقي مزارعها وبساتينها، ثم يَشُقّ أرضها متّجهاً إلى الجنوب نحو شطّ العرب، ولهذا كانت تلك الأنحاء خصبة عامرةً، فاتّفق في سنة 1200هـ أن شَقَّ رجل اسمه هاشم ـ يقال أنه من موالي أمراء الحويزة ـ نهراً من الكرخة في أعالي الحويزة وسيّره إلى أرضه ومزارعه عُرف بنهر هاشم، فأخذ ذلك النهر يَعرض ويتّسع لرخاوة الأرض، وتدفَّق فيه الماء فانخفض في مجراه إلى الحويزة، فجفّت الفروع وأجدبت الأرض وظهر البوار والخراب، فعمل الحويزيّون سدّاً لنهر هاشم، وأعادوا الكرخة إلى مجراها الأوّل، ولكن بعد مُدّة هُدم ذلك السدّ، ففقدت الحويزة مكانتها الاقتصادية، وأخذت تنقص من أطرافها وتذوب تدريجاً فتفرّقت جماعتها. وقد ساعد على ذلك المعاركُ المتتالية فيها، حتّى أصبحت على ما هي عليه قبل الحرب العراقيّة. الإيرانية. يقول المتشرق ( لُردكُرزن ): كانت الحويزة مدينة مهمّة مزدحمة بالسكّان، لكنها تحوّلت إلى ناحية صغيرة بسبب سدّ الكرخة الذي هُدِم سنة 1837م وتسرّب الماء إلى الأهواز.
طريق التواصل بين الحويزة والبصرة
كان أهل البصرة يشدّون الأحمال في مسيرهم إلى الحويزة من « سحاب » وهي قصبة تابعة للقُرنة ونقطة استراتيجية مهمّة. وربما لجأوا في ساعة العُسرة إلى الحويزة، كما حدث سنة 1078م عندما هجم الجيش العثماني عليهم في البصرة والجزائر. كما كان أهل الحويزة يتردّدون على القرنة للتموين وتبادل البضائع.
إحداث الأبنية والقِلاع في الحويزة
قال المولى علي خان المشعشعي في كتابه « الرحلة المكّية »: أول مَن أحدَث البنايات والقلاع والضياع في الحويزة: السيّد محسن المعروف بالملك المحسن (5)، فبدأ بقلعة الحويزة المعروفة بالمدينة إلى الآن، وأنزل فيها ضبّاطاً وموضعاً له فيها أيضاً، وأنزل سباهية من أمّر انيس حولها وقبائلهم وطرشهم نواحيها، ثمّ بنى قلعة المشكوك وجعل فيها ضبّاطاً وموضعاً له فيها أيضاً، وأسكن جانبيها قبلةً وشرقاً أربعين ألف سباهي (6) معروف، والكلّ منهم أهل مضايف ومُقَرَّريات وخدم وتبعات، وهم من نيس وكربلاء وغيرهم، وأدار على الجميع مدينة حصين. ثم أضاف عليها قلعة على شاطئ الكرخة مقابلةً صدر « كمال آباد » وأسكنها ولديه عليّاً وأيوب، وهما أكبر أولاده. ثم أحدَثَ قلعة الداير المعروفة بـ ( أبو عمر )، وجعل فيها حرّاساً وضبّاطاً، وأنزل حولها من عساكر مَيامر كربلاء (7). وكان ينتقل بفصول السنة إليهنّ جميعاً؛ لكلّ فصل مكان لائق به. ثم بعد بناء الجميع وتتميم ما يحتاج إليه اختط مدينة متّسعة تجمع جميع عساكره وذخائره وأمواله وأسبابه وخزائنه، وهي المدينة الواقعة بين الشطَّين المسمّاة بالمحسنّية باسم بانيها، وهي الآن البلدة المحروسة المسكونة المحيطة بـ (بستان بو دليف ) من طرف القبلة على شاطئ « كمال آباد »، ثم مستديرة إلى الشاطئ الكبير وهو الكرخة إلى ( بُستان مثب ) المعروف بـ ( بستان ابن عكرش ) و ( قمير بن وادي ) من طرف الشعبانيّة، فعلّق عليها الدراويز والمحكمات، وعيّن فيها اثني عشر ألف من عسكره، ومسكنهم أبراجها ودراويزها ووسطها خالي التي هي الآن بين الشطَّين. وكان منبتها آنذاك طرفاء وغرباً وصريماً. أقول سُمّيت المحسنيّة نسبةً لبانيها الملك المحسن وتمييزاً عن الحارة القديمة المعروفة بالدبيسيّة أيضاً.
بناء قلعة في الحويزة على عهد المولى السيّد منصور
قال السيّد علي خان في كتابه ( الرحلة المكيّة ): وفي أيام السيّد منصور بن السيّد مطّلب ( حدود سنة 1048م ) تقدّم المولى السيّد منصور إلى الشاه بأن يُعمّر قلعةً في بيت حاكم الحويزة في المحسنية، لوقوعه بين الشطَّين، ويكون فيه عسكر من قِبَل الشاه، وتعهّد بمعاش العسكر، فوافق الشاه، وأعطِيت الحويزة للمولى منصور بعد إتمام بناء القلعة ووصول مستحفظها. وأخذ المولى يعطي المستحفظين كل سنة سبعمائة تومان، وهو أول حاكم توطّن المحسنيّة وبنى فيها البنايات. منها المنزل الذي تتداوله الحكّام إلى هذا التاريخ، وبنى الجامع المعروف فيها، والحمّام، والقهوة خانة، والأسواق على جانب النّهر. واتّصالها من الجامع إلى المكان يقال له: النقب من المدينة. وتسير السُّفن في ذلك النهر من ابتداء السوق إلى نهايته، وهو من القهوة خانة إلى خارج البلد. وكان خطّ المدينة بغاية الاستحكام، وانتقل السيد منصور من قلعة العبّاسيّة إلى المحسنيّة، فانتقل الناس معه من الحويزة ومن العباسيّة إلى المُحسنيّة.
ويظهر مما ذكره صاحب الرحلة أن الحويزة الموجودة الآن في هذا الزمان المعروفة بحويزة طينة هي غير الحويزة القديمة التي كانت مسكونة في العصر العباسيّ وما بعده إلى أيّام المغول، وأن الموجودة الآن تبعد عن الأولى بمسافة.
قال صاحب ( الرحلة : وكان السيد راشد (
قد عزم على نقل الناس من الحويزة إلى المحسنية، فشق عليه وعزموا على الفتنة، فانصرف عن ذلك وانتقل هو إلى مكانٍ بنى فيه قلعة سُمّيت العباسية ( باسم الشاه عباس الصفوي )، فسكنها السيّد راشد، وتفرّق المشعشعيُّون في زمانه؛ بعضهم سكن المحسنيّة، وبعضهم بقي في الحويزة، وأكثرهم انتقل معه إلى العباسية حتّى حكم المولى السيّد منصور فانتقل الجميع إلى المحسنيّة (9).
قبائل الحويزة إبان ظهور المشعشعيين
كان سكّان الحويزة عند ظهور المشعشعيين مَعدَنة من قبائل متبقّية هناك لترعى الإبل والجاموس بالقرب من مستنقعات الحويزة وأهوارها. ولما استفحل أمر المشعشعيين واتخذوها قاعدة لهم توجّهت نحوهم قبائل كثيرة، فأصبحت الحويزة غاصّة بالسكّان من قبائل شتّى؛ بعضها نَزَح من نجد، وبعضها من العراق، وبعضها من شمال الإقليم وسائر مُدنه. ومن أهمّ القبائل التي وردت الحويزة مع المشعشعيين في وقت واحد: بنو سالة وبنو أمطيط وكربلا والسلامات. قال في ( الرحلة المكيّة ): وعرب الحويزة ولواحقها مثل شريفي، ومراغي، وغزّاوي وعنقودي وإسحاقي وخميسي وخالدي... إلخ.
كانت بعض القبائل تسكن الحويزة فترةً ثم تتركها بسبب النزاع الذي كان يحدث بينها وبين قبيلة أخرى، كما كان آل غزّي ممنوعين من دخول الحويزة على عهد حاكمها المولى مبارك المشعشعي ( 998 ـ 1026 م ). ثم ظهرت في الحويزة قبائل أخرى وصار لها شأن بعد القرن الحادي عشر الهجري، مثل السواري، والدلامات، والفضول، ومزرعة، والباويّة، وبني لام، وعبادة وآل سلطان، والعروس، وآل جمودي (10).
المذهب في الحويزة
ذكر القاضي نور الله المرعشي التُّستري في كتابه ( مجالس المؤمنين ) أنّ جماعة من الدَّيلم سكنوا الحويزة واتّخذوها قلعة لهم أيّام آل بويه الديالمة ( في النصف الأخير للقرن الرابع الهجري )، وخرجوا عن طاعة السلطان. وبقيت تلك الأنحاء في قبضتهم حتى في العصر السلجوقي، وفي أيام شوكة العبّاسيين وقوتهم. وكانت قبل ذلك في حيازة بني أسد، وأميرهم دبيس بن عفيف وهو الذي اختطّها لهم. وكلتا الطائفتين من الشيعة. وأن مساكن المعتزلة في الأصل كانت في الحويزة ومنها خرجوا إلى البصرة ونواحيها (11).
وقد مرت على هذه المدينة فترة قبل المشعشعيين كانت فيها شبه متروكة، لانحراف نهرها عن مجراه السابق وانهدام سدّها، فتفرّق عنها الناس ولم يَبقَ فيها سوى جماعة من رُعاة الجاموس ومَعدَنة لا رأي لهم ولا يُعيرون اهتماماً للدِّين، يقيمون غالباً بالقرب من الأهوار والمستنقعات. وفي المدينة أيضاً جماعات من اليهود والصابئة المتبقيّن فيها من قديم، فلمّا ظهر السيّد محمد المشعشع أجلى اليهود عنها (12)، واستعادت الحويزة حالتها المدنية، وأخذت تترقّى في مدارج العلم والأدب بعد ذلك حتّى ظهر منها جمع لا يُستهان به من أهل العلم والفضيلة والشعراء.
الثقافة في الحويزة أيام المشعشعيين
كتب السيد علي بن عبدالله المشعشعي في كتابه ( الرحلة المكيّة ) شرحاً مُسهباً عن صفات أهل الحويزة وأخلاقهم وآدابهم في القرنين الثاني عشر والحادي عشر. وهو حصيلة معنويات وسِيَر استورثها الخلف عن السلف، فارتسمت في معاملاتهم وتصرّفاتهم ومظاهر حياتهم، يقول صاحب الرحلة:
علم الله أنه كانت لهم خصال حميدة، وأفعال مَرْضيّة، وذوات زكيّة، وشِيَمّ عربيّة، لو عَدَدتها لم تحصرها الأوراق، فساداتهم ساداتهم، وأمراؤهم، وجهاؤهم، وعامّتهم أخيار أبرار أتقياء، بلا إغراق (13). ويعلم الله أنّه يكفيها ( الحويزة ) شرفاً أنها دار العلماء، ومجمع الفضلاء والأتقياء، ومعدن الأبرار والصلحاء.
دارٌ بها الهمُّ مُزاحٌ ومَن | | حَلّ بها.. حلّ بدار أمانِ |
وما ذكرتُ من محامدهم إلا القليل، فكفاها مدحاً إن سِفلتها أخيار، وسُكانها أطهار، وجهالهم لهم جمعيات وجماعات يُلَقبُّون بالأحداث، أدركتُهم أنا أيام جدّي السيد علي خان، لهم سجايا وخصال وكرامات وشيم حيّاهم الله من شِيبٍ وشبّان، وبحقّهم يليق قول القائل:
تحيا بهم كلُّ أرض ينزلون بها | | كـأنهم لبقـاع الأرضِ أمطارُ |
فواللهِ قَسَماً بارّاً، أنهم كانوا مُناة الوافد، وملاذ الجاني، وعِزَّ الجار، لم تَخْطُ أقادمهم لريبة، ولم تنطق ألسنتهم بِغيبة، ولم ترمق أعينهم لدنسٍ ومعيبة، لم أدرِ لأيّ فضائلهم أذكر، لتلك المضائف المعهودة، أم لتلك المباني المَشْيودة! أم لتلك الموائد المورودة! (14)
مدارس الحويزة ومكتباتها
توجّهت أنظار علماء الشيعة وأدباؤهم إلى الحويزة من بداية القرن الحادي عشر، نتيجةً لترحيب حكّام المشعشعيين وإجلالهم للعلماء والأدباء، فتوافد عليها العلماء والشعراء، فحَظَوا بالهِبات والصِّلات السَّنيّة. وأُنشئت المدارس، وقصَدَها طلاب العلم من جميع الأطراف في المنطقة، ومن أبرز تلك المدارس: مدرسة الشيخ عبداللطيف الجامعي التي تخرّج منها جمع كثير من رجال المنطقة. ولزوماً لحضور العلماء وسكناهم في الحويزة نُقلت إليها مخطوطات وكتب قيّمة من شتى أنحاء البلاد، كما استُنسخت نسخ جليلة ونادرة فيها، فتأسّست مكتبات كبيرة تضمّ كتباً في أنواع العلوم المتداولة آنذاك. ومن أهم تلك المكتبات: مكتبة السادة الموالي أمراء الحويزة، التي لا زالت مخطوطاتها موجودة في مكتبات إيران والعراق إلى عصرنا هذا.
جغرافية الحويزة في العصر الحاضر وخصائصها
تقع الحويزة على بعد 72 كيلومتراً من غرب الأهواز، وعلى مسافة 15 كيلومتراً من جنوب غربي الخفاجيّة، وإلى جهة الشمال الغربي لمدينة المحمَّرة على الضفة اليسرى للنهر المنتهي إلى هُور العُظَيم الفاصل بين إيران والعراق.
أمّا حدودها من الشمال فتُحدّ بناحية بني طُرُف، ومن الجنوب بالصحراء المنتهية بحدود البصرة والمحمّرة، ومن الغرب بهُور العُظَيم، ومن الشرق بحوض نهر كارون. أما نهرها المعروف بنهر الشُّوش أو نهر الكرخة فإنّه ينبع من سفوح جبال
پُشْتْكُوه الغربية، وله ثلاثة منابع رئيسية. وبعد أن يقطع المناطق الجبليّة يمرّ بالشوش ثم الحويزة، وكلّها أراضٍ سهلة، ثم يصبّ في هور العُظيم. تُزرع أراضي الحويزة الحنطة والشعير. وتشير البحوث الزراعيّة في المنطقة أنّه كان في الحويزة ثلاثمائة ألف نخلة في سنة 1352م. ويكثر فيها الجاموس والسَّمك المعروف بالقِطّان ( يُتلفّظ بالگاف الفارسيّة )، والطيور التي تُصطاد من الأهوار فتُعرَض للبيع في السوق. وفي الحويزة مقامات كثيرة، منها مقام إبراهيم الخليل عليه السّلام.
الحويزة بقلم الكرمي
كتب الشيخ محمد الكرمي مقالاً تحت عنوان ( الفضل والفضيلة ) أو حياة والده ( الشيخ محمد طه الكرمي )، ضمّنه بحثاً موجزاً عن الحويزة رأيت أن أُلحقه بهذا التاريخ، لأن كاتبه من أهل العلم والتحقيق وهو من أهل الحويزة أيضاً.
قال: الحويزة بإطلاقها العمومي تتناول قطعة واسعة من الأرض يُعمّرها ما يناهز ( 200 ) ألف نسمة في الأقل كلّهم عرب، فتدخل في حوزتها الخفاجيّة والبْسِيتين، والحويزة بمعناها الأخصّ، وما حول هذه النقاط الثلاث من قرى وأرباض. والحويزة اليوم بإطلاقها العمومي تُسمّى ( دشت ميشان ) (15)، وهو قضاء، له مندوب في مجلس النوّاب وقائمقام يدير سياسته، ومركز إدارته الخفاجيّة وله نواحٍ ثلاثة: 1 ـ البسيتين 2 ـ الحويزة 3 ـ مُوسْيان. وبما أن هذه الناحية الثالثة منقطعة ببُعد مسافتها عن مجتمع هذه المنطقة لم يك يتناولها لفظ الحويزة عند إطلاقه، وإنما يتناولها دشت ميشان بتشكيلاته الرسميّة. ( انتهى )
الخفاجية والبسيتين (16)
هاتان المنطقتان تقعان على عمود شطّ الكرخة، ويُزرع فيهما الأُرزّ بكثرة، والحنطة والشعير بقلّة، وهما في السابق يُعدّان مُلْكاً طلقاً لبني طُرُف، ولكن في أدوار السياسة تدخّلت فيها الأجانب فتوزّعت تلك الأراضي بين أهلها السابقين وهؤلاء الطُّفيليين وفسدت فيهما الأخلاق.
الحويزة
وهي منطقة بعيدة العهد في التاريخ بالنسبة إلى تينك المنطقتين، فربّما مرّ عليها ما ينوف على التسعمائة سنة. وقد كان عمود الكرخة جارياً في صميم أراضيها، لكنّه في الأخير انحرف عن مجراه الأول إلى مجراه الفعلي. وقد برز من الحويزة هذه علماء وأدباء كثيرون جداً، أحصى التاريخ عدداً لا يُستهان به منهم، وأبقى من تراثهم الأدبي والعلمي شيئاً موفوراً، إلاّ أن المارّ بالحويزة في هذا التاريخ يرى أشباحاً واهية من البناء العتيق وأناساً أعراباً بجهلهم وتقليدهم لسُكان البوادي في كثير من العادات، ولهذا تأخرت بأهلها سياسياً واجتماعياً وعمرانياً.
الحويزة في الحرب العراقية ـ الإيرانية
كل الذي مرّ ذكره عن الحويزة وتاريخها يعود إلى ما قبل الحرب العراقية ـ الإيرانية، أمّا في فترة الحرب فقد مرّت الحويزة بمرحلة جديدة لم تشهد مثيلاً منذ تأسيسها، حيث أُمطِرت بوابلٍ من القذائف من قِبل الجيش العراقي الزاحف نحوها. وقد راح ضحيّةَ هذا القصف جمع من أبناء الحويزة، بين رجال ونساء وأطفال، ودُمّرت المباني وهُدّمت الدور، وخرج الأهالي فارّين على وجوههم إلى أماكن بعيدة عن متناول القصف، فلم يُجْدِ ذلك فتفرقوا في البلاد طولاً وعرضاً؛ ابتعاداً عن هذه الحرب التي اتّسع نطاقُها فشمل جميع مُدة الإقليم وقُراه. ولم يأخذهم القرار في البلاد القريبة حتى صعدوا إلى خراسان وكرمان ومازندران وغيرها من بلاد إيران، وأصبحوا غرباء مهجَّرين كأبناء المحمَّرة وعبّادان. وكان الجيش العراقي قد تحشّد في قرية اسمها الجراية على بُعد ثلاثة فراسخ من الحويزة وأخذ يركز قصفه بالمدفعية والطائرات على الحويزة فجلعها قاعاً صفصفاً، وقد أسَرَ في طريقه إليها جماعة من قبيلة بني سالة، فنقلهم هم وعيالهم وماشيتهم إلى أرض العراق. ثم دخل الحويزة بعد ذلك القصف الشديد، فلم يجد فيها سوى أشلاء القتلى وانقاض المباني. وأخذت الجرارات والشاحنات والآلات الهندسيّة للجيش تنقل أنقاض الدور والمباني تراباً تصنع منه تُلولاً ومتاريس لاستتار الجيش وآلته الحربيّة. وبعد بضعة أيام وقعت معارك عنيفة بين الجيش الإيراني والعراقي فخرج العراقيون من الحويزة بعد أن أصبحت خبراً بعد أثر!
وبعد أن استعاد الإيرانيون سيطرتهم على الحويزة أدارت على أنقاض المدينة وتلولها أسلاكاً شائكة واختارت مكاناً في الجهة الغربيّة من الحويزة المدمَّرة قريباً من الأنقاض والتلول، وخططت فيه لإعادة بنائها وبناء ما تحتاجه من المرافق والمدارس والمساجد والدوائر الحكومية بأسلوب حديث.
وقد جاء التخطيط لبناء المدينة مقسَّماً على ستّ حارات متشابهات في الكيفية، متساويات في كميّة الوحدات السكنيّة والمراكز الإداريّة والأماكن العامّة والحوانيت. وكل حارة تضم خمسمائة دار ومدرسةً ابتدائية واحدة ومسجداً، وخُصّصت بقعة على ضفة نهر نيسان لبناء مركز صحي واسع، وبُنيت في المدينة أيضاً مدرسة علميّة كبيرة لطلاب العلوم الدينيّة. وهي مدرسة فريدة في نوع بنائها في خوزستان كلها، وذلك نظراً لما تختصُّ به الحويزة من سابقةٍ علمية ساطعة في سماء العلم والأدب )